* نأمل من الشباب اليساري في الوطن العربي والمهجر أن يساهم في تجميع الفيديوهات والمواد الكتابية والصور والتصميمات التي يمكنها أن تساند وتساهم في نشر أخبار تونس. كما نحتاج خبراء وتقنيي حاسوب وانترنت بشكل طارئ كل من لديه الإستعداد للمساعدة يمكنه ارسال رسالة إلى majd948@gmail.com

الثلاثاء، 11 يناير 2011

انتفاضة "سيدي بوزيد": اليسار العربي كالعنقاء ينتفض من رماده..

اندلعت انتفاضة "سيدي بوزيد" بتونس، ولئن كان السبب المباشر لاندلاعها عملية انتحار قام بها الشّاب التّونسي محمد البوعزيزي، فإن هذه الحادثة لم تكن في الحقيقة إلا حافزا لسقوط الأقنعة وإماطة اللثام عن الأسباب العميقة للانتفاض الشعبيّ والتي تمثلت أساسا في واقع الحيف الإجتماعي الذي ترزح تحته قطاعات الشعب العريضة في تونس.
فلم يكن احتراق الشّاب محمد البوعزيزي إلا من النّوع الذي "ينير الطّريق " (كما يقول الشاعر ناظم حكمت) لقوى اليسار والتّقدّم والحريّة في تونس وفي الوطن العربي، في نضالها من أجل تحقيق التحرّر الإجتماعي.
لقد لفت انتباهنا بشكل كبير، في حملة التضامن الواسعة مع انتفاضة "سيدي بوزيد"، الحضور العربي البارز مجسّدا في:
- وقفة تضامنيّة أمام السفارة التونسية بالأردن نظّمها اتحاد الشباب الديمقراطي الأردني وشارك فيها شباب من مختلف تلوينات اليسار في الأردن.
- وقفة تضامنية أمام السفارة التونسية بلبنان دعا إليها اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني والقطاع الشبابي الشيوعي.
- وقفة تضامنيّة في مصر شارك فيها اتّحاد الشباب التقدّمي وشباب 6 أفريل والحركة الشعبيّة من أجل التّغيير وحركة الكرامة.
- ندوة تضامنية في طنجة نظمتها جمعية "أتاك".
- عريضة مساندة أصدرتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني.
- بيانات مساندة أصدرتها أحزاب سياسية يسارية في الوطن العربي.
إن هذا التضامن العربي مع انتفاضة "سيدي بوزيد" لا يمكن أن يمرّ دون أن نسوق هاتين الملاحظتين:
اعتدنا على وقفات تضامنية واحتجاجيّة في عواصم أوروبية لكن وقفات مماثلة في عواصم عربية هو الجديد الجديد.
كل الأطراف المشاركة في هذا الحراك العربي والمؤطّرة له هي أطراف يسارية تمثل مختلف تلوينات اليسار وكان الشباب عمودها الفقري وقاطرتها.
الملاحظة الأولى: التضامن العربي.. لم؟
تمثل انتفاضة "سيدي بوزيد" حالة الاحتقان التي تعيشها في تونس الفئات الشعبية الأكثر فقرا والأكثر تضرّرا من واقع الحيف الإجتماعي القائم على:
انعدام التوزيع العادل لثروات البلاد، حيث تستأثر بها فئات متنفّذة قليلة العدد.
انعدام وجود تنمية عادلة بين شمال البلاد وجنوبها وبين ساحلها وداخلها.
ولا نظن حالة "سيدي بوزيد" إلا نموذجا واضح المعالم، لا لواقع الحيف الإجتماعي في تونس فحسب، إنما هو نموذج يعبّر عمّا يجري في كامل أقطار الوطن العربي التي ارتبط فيها الاستبداد بالفساد، والفساد بالتفاوت الطبقي، والتفاوت الطبقي بالتنمية اللاّعادلة..
ومن هذا المنطلق، إن المتضامنين مع انتفاضة "سيدي بوزيد" في مختلف الأقطار العربية هم في واقع الأمر، وقبل كل شيء، يتضامنون مع أنفسهم لأن الأسباب العميقة لهذه الإنتفاضة يعيشها بدرجات مختلفة كل الشعب العربي، ومطالب الإنتفاضة تمسّ واقعهم في العمق، والمكاسب التي ستحققها الإنتفاضة هي خطوة في مسار المراكمة للتحرّر الإجتماعي العربي.
الملاحظة الثانية: اليسار في قلب الحدث.. لم؟
لقد برهن اليسار العربي المناضل بكل تلويناته الفكرية أنه دعامة لكل حراك شعبي يهدف إلى تغيير واقع الاضطهاد، وما هذه الوقفات التّضامنيّة مع انتفاضة الشّعب بمنطقة "سيدي بوزيد" الاّ ترجمة صريحة لهذه القناعة المتجذّرة صلب هذا اليسار العربي المناضل خاصّة الشّبابيّ منه باعتباره قاطرة هذه الحملة التّضامنيّة اليساريّة العربيّة، وإنّا نلمس في ذلك مؤشّرا واضح السّمات والقسمات على قناعة عادت لتتشكّل من جديد صلب هذا اليسار العربي (وتخصيصا الشّبابيّ منه) متمثّلة في التّركيز على العمق العربي للنّضالات، سواء بمعنى إدراج الهمّ العربي ضمن دائرة الإهتمام إعتبارا لكون المحيط العربيّ هو المجال الحيويّ الذّي تنمو فيه هذه النّضالات، وفي ذلك استجابة لمنطق الجغرافيا وأحكام التّاريخ، أو بمعنى التّنسيق بين أطراف اليسار العربي المناضل خدمة لمشروع سام هو تحرير الإنسان، وإن أيّ نضال معزول عن عمقه العربيّ لا يمكن أن يصمد ويحقّق أهدافه.
لا يُفهمَنّ من هذا القول أنّا بصدد التّعويم على ما يقدّمه اليسار التّونسي المناضل من تضحيات ونضالات على المستوى القطريّ، فقد نزل هذا اليسار بكلّ ثقله، وبمختلف أحزابه وتيّاراته المناضلة، مضطلعا بدوره الطّلائعي في تأطير هذا الحراك الجماهيري العصيّ على السّيطرة نسبيّا، في محاولة جادّة لتخليصه من طابعه العفويّ. فنحن دائما نتعلّم من الجماهير ونعلّمها كذلك من خلال تجربتنا النّضاليّة معها جنبا إلى جنب، فهي تلقّننا دروسا في الصّمود والتّضحية والفداء ونحن نعلّمها "التّنظّم" كي يَطّرِحَ الحراكُ عفويّته ويصبح أكثر فاعليّة.
إنّ عسر تأطير هذا الحراك الشّعبي المنفلت نسبيّا إنّما هو ناتج عن عدم تجذّر قوى اليسار في الجماهير ولكنّ السّعي إلى تأطيرها في حدّ ذاته عنوان لبداية التّجذّر صلبها. وكلّما نجحت قوى اليسار في تونس في تحقيق تجذّرها الشّعبي كلّما كانت ملهمة لكلّ اليساريّين ومحفّزة لهم على المضيّ في درب توحيد اليسار العربي.
ولا يفهمنّ من هذا القول أنّا بصدد تبخيس التّضامن الأممي أو إلغائه، فهو كذلك دعامة من دعائم الصّمود لكلّ حراك شعبيّ من أجل تغيير واقع الإستعمار والإستبداد والحيف الإجتماعي، فليس هذا التّضامن العربي بديلا عنه إنّما هو متمّم له.
3- لكن أين الطّرف الإسلامي؟
إنّ لكلّ حركة في المجتمع طابعا طبقيّا، وانتفاضة "سيدي بوزيد" لم يكن المعطى الطّبقي فيها محرّكا للإنتفاض فحسب وإنّما كان كذلك مترجما في الشّعارات والمطالب التّي رفعتها الجماهير المنتفضة، وهي في مجملها تدين الإستبداد والفساد والفقر والبطالة والتّفاوت الطّبقي والتّنمية اللاّعادلة بين جهات البلاد، وتنادي بالحرّيّة والعدالة الإجتماعيّة والكرامة الوطنيّة، مع العلم أنّ شعارات هذه الإنتفاضة ومطالبها تتبدّى أكثر وضوحا ونضجا من انتفاضة "الحوض المنجمي" الرّائعة التّي حصلت منذ سنتين وهو ما يؤكّد أنّ الجماهير في تونس تتعلّم من خلال الممارسة النّضاليّة وتستفيد من أخطائها
إلاّ أنّ مثل هذه الشّعارات والمطالب لا يمكن أن تستوعبها الحركة الإسلاميّة إلاّ إذا انتقلت من الحالة التّي عليها الآن كتعبيرة طبقيّة تمثّل تيّارا صلب الكمبرادور والإقطاع أو البرجوازيّة الوطنيّة في أفضل الأحوال، إلى حالة أخرى تلامس فيها "لاهوت التّحرير" المنحاز للفقراء سواء تحليله للتناقضات وفهمه لطابعها المادّي أو في حلوله لهذه التّناقضات.
وهذا، لعمري، ما يفسّر حالة اللاّمبالاة التّي يعيشها جانب من الحركة الإسلاميّة إزاء هذه الإنتفاضة حيث صرّح أحد زعمائها جالسا على ربوته البريطانيّة أنه "يتمنّى ألاّ تنفضّ المعارضة التّونسيّة من حول هذه الإنتفاضة" (هكذا‼ )، أو ما يفسّر حملة التّشويه التّي يشنّها جانب آخر من الحركة الإسلاميّة حيث تجاسر على اتّهام الإنتفاضة والواقفين وراءها بإشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد والدّين الواحد (‼) وبشّر من نعتبرهم شهداء الإنتفاضة بنار جهنّم باعتبارهم في حكم "المنتحرين"، ودعا إلى "كظم الغيظ" و"كلّ كاظم غيظ سينعم في جنّة الخلد.." إلخ..
إنّ أجمل ما في هذه الإنتفاضة أنّها كانت واضحة في شعاراتها ومطالبها، فكانت حسّامة فرّازة، أوضحت من يتموقع في خضمّ التّناقضات إلى جانب المضطَهَدين (بفتح الهاء) والمستغَلّين (بفتح الغين) والمفقّرين (بفتح القاف) سواء في تونس أو في الوطن العربي، ومن يتموقع في صفّ قوى الإستبداد والإضطهاد الطّبقي، وإنّ تواصل الإنتفاضة يؤكّد مرّة أخرى أنّ الجماهير تتّجه شيئا فشيئا نحو تجذير وعيها بأنّ "الجنّة" على الأرض أكثر من ممكنة.

(عن الأفق الاشتراكي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق